فكرة حية وفكرة ميتة وفكرة مميتة
يقول المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي في كتابه الرائع * مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي * أن المجتمع يتكون من ثلاثة عوالم في ان واحد. عالم الأشخاص و هم الأفراد التي تعيش ضمن نطاق هذا المجتمع . و عالم الأشياء و هو كل ما يمثل المادة من أرض و أشجار و أدوات يقوم عالم الأشخاص باستعمالها من سكن عليها الى استخراج ثروات منها الى استعمال ما هو موجود . و عالم الأفكار و هو كل ما يجوب في أذهان و عقول عالم الأشخاص . الموجودون ضمن عالم الأشياء .
كما انه يقول أن الحكم يجب أن يكون دئما لعالم الأفكار . لأنها لا تموت مثل الأشخاص أو تزول مثل الأشياء .فالحرب العالمية الثانية تركت ألمانيا و اليابان مثلا خراب . فعالم أشيائها دمر و عالم أشخاصها قتل و هجر و عذب و أهين . و لكن أعادت بناء نفسها لأنه كان مجتمعا ثريا بالأفكار .
و تحدث الكاتب عن الفكرة و ماهي .و ما هو دورها .و ماهي أنواعها كثيرا في هذا الكتاب الفريد من نوعه و الذي أعتبره شخصيا أحسن ما طالعت .
اذا ما هي الفكرة و ماهو دورها و ماهي أنواعها ؟
ربما تكون هذه الأسئلة غريبة نوعا ما . لكنها في صميم المجتمع و لا يطرحها الكثير من الناس . و بالرجوع الى الكتاب السابق الذي سوف يكون مثل المرجع في هذا المقال .
الفكرة
الفكرة هي كل ما يجول في خاطر الانسان الذي ميزه الله بهبة العقل . و هي تحتمل الصواب كما أنها تحتمل الخطأ . كما أن مصدرها يمكن ان يكون نقيا كالقران الكريم و الدين الحنيف . أو عفنا كالشيطان و النفس الأمارة بالسوء و المجتمع الفاسد .
كما ان الفكرة لها ميزة الأنتقال من ذهن الى اخر و من مجتمع الى اخر . و هذا ليس بالضرورة أن تكون بنفس الصورة . فالفكرة اذا انتقلت من مكان الى اخر تقوم بالتكيف و التغير حسب البيئة الجديدة التي تعيش فيها . و لكن ليس في أي حالة سوف تغير المنبع الأول الذي نشأت فيه . أو صفتها التي تمتاز بها .
كما أننا نستخلص ان صح التشبيه أن الفكرة مثل البكتيريا تتنقل من مكان الى اخر . و لكن كما نعلم جميعا ليست جميع هذه الكائنات المجهرية مفيدة . بل نجد منها ماهو مفيد و لا استغناء عليه و ما هو مضر وجب علينا تجنبه و محاربته .
أخذا بهذا المثال يمكن أن نقول بأن الأفكار يمكن ان تقسم الى قسمين كل قسم يمكن أن يحتوية على عدة درجات فهناك :
الفكرة المفيدة أو الحية : و نجد فيها الأفكار الصحيحة و الأفكار السليمة و الأفكار الجيدة و الأفكار المقبولة .....الخ.
الفكرة الخبيثة أو الميتة :و منها الأفكار الخاطئة و الأفكار السيئة .....الخ.
الفكرة المميتة : و هي أفكار ميتتة أصبحت تميت مجتمعات غير التي نشأت فيها و بينها .
هناك نوع اخر من الفكرة القاتلة للمجتمع اسمها الفكرة الوثن و التي نعبد فيها أفكارا نابعة من شخص أو مجتمع معين و قد أشار اليها مالك بن نبي في كتابه السابق و قد نال بسببها ما ناله .
الفكرة الحية :
الفكرة الحية أو كما سماها مالك بن نبي الأفكار المطبوعة مثلها مثل البكتيريا المفيدة أو التي لا ضرر منها . وجب علينا أن نوفر لها المكان اللازم لتعيش و تتكاثر و تنمو. كما يجب علينا أن نسمعها و نتبعها . فهي في كل حال من الأحوال لن يصيبك منها الضرر .
كما أن خاصية الفكرة الحية هي أنها لا تموت .ربما يضاق عليها نطاق معيشتها . و لكنها لا تموت . ربما يضطهد أصحابها أو معتنقوها لكن الفكرة ممها حوربت لن ينالو منها أبدا . فيكتفون باسكات المتكلم بها فقط .
أعداء الفكرة الحية يكونون دائما من الطرف الاخر أي ممن يساند الفكرة المميتة و الالفكرة الوثن. لأن العفن لن يعشش في مكان نظيف . و الانسان السقيم الأفكار . لن يقدر على العيش بين الاصحاب الأصحاء الفكرة .
لذا نستنتج أنه من اجل بقاء و ازدهار الفكرة الحية وجب القضاء على الفكرة الميتة . و لكن الفكرة لا تموت كالبكتيريا فكلما حاربتها . عاودت المجيئ بصورة أخرى . فالعمل الأحوط على الأقل هو التضييق عليها و على من يدفع بها الى الظهور . و لست أعني بهذا الانسان أو الشخص أو المجتمع فهو قبل كل شيئ انسان له طاقة وجب استغلالها و الا أصبحت طاقة ضائعة .
بل لا تحارب الناس المعتنقين لهذه الفكرة بل عقمهم و طهرهم . بشتى السبل و مهها كانت المردورية التي سوف تحصل عليها لن تكون أقل من الصفر .
الفكرة الميتة :
الفكرة الميتة أو كما سماها مالك بن نبي الأفكار الموضوعة هي الفكرة التي بها خُذلت الأصول، فكرة انحرفت عن مثلها الأعلى، ولذا ليس لها جذور في العصارة الثقافية الأصلية".
الفكرة الميتة لا تكون خطرة جدا الى اذا انتقلت و أصبحت فكرة مميتة . فالكثير من الأمراض لا تنتقل الا بين الحيوانات . ثم فجأة تتغير و تصبح تنتقل بين البشر فتصبح فتاكة . فكل انسان تنمو في ذهنه أفكار ميتة قد يكون مصدرها النفس . الاعلام . الشيطان عليه اللعنة . المجتمعات الغربية ......الخ .
فيصبح صاحبها مريضا . لكن لم يصل مرضه الى أن يكون فتاكا في المجتمع .حيث تجده مثل الحامل لمرض و لكنه ليس من النوع معدي يمكنك أن تتعامل محه بحذر قليل فقط .
كما أنه تكون هذه الأفكار الميتة عبارة عن عادات او أفعال سيئة يقوم بها هذا الشخص بينه و بين نفسه . و لا أريد ذكر أمثلة ففهمك اخي القارئ كفاية .
هذا لا يعني أن لا نحارب المرض الذي يعاني منه بالنصيحة و المناقشة مثلا. قبل أن يصبح هذا المرض معديا . لأن صاحبها سوف يكون ذا طاقة سلبية في المجتمع . كما أن منبع هذه الأمراض يكون دائما من شيئ خبيث في فحواه و جيد في مظهره و ما أكثر منابعه في المجتمع العربي . و لن اضرب لك مثلا و أترك لك حرية الاحتمال لأني متأكد من أنك سوف تعرفها .
الفكرة المميتة :
الفكرة الميتة تستدعي الفكرة المميتة و الفكرة المميتة هي الفكرة التي فقدت هويتها وقيمتها الثقافيتين بعدما فقدت جذورها و هي أشد الأفكار ضراوة و فتكا بالمجتمع . فعندما يستحكم المرض من انسان و يريد ان يعمم هذا المرض من اجل تلبية رغباته المتعفنة من جراء هذه الأفكار الميتة التي تعشش في عقله السقيم .
فيصبح بذلك ينشر فكرة العفن على الناس و يصبح المرض أكثر شيوعا يوما بعد يوم . و يلزم لهذا المرض لينتقل أن تتوفر الضروف و البيئة العفنة . و ما أكثرها في المجتمع . فكل صحيح يعتل أول الأمر بمرض فان لم يطبب نفسه منه أو أعانه الأشخاص في العلاج منه . سوف يعتل بمرض اخر ثم اخر ثم اخر و هكذا .
فنجد بعدها المجتمع كله مريضا بهذه الفكرة الميتة و التي أصبحت مميتة تقتل المجتمع . ففي مصر على سبيل المثال سنة 1918 عندما خرجت أول مرأة نازعة نقابها كان فكرة ميتة أصابت صاحبتها . و لكن بخروجها أصبحت فكرة مميتة . ثم توالت الأمراض حتى أصبحنا نجدها عارية في الشارع و لا يلومها أحد و ليس في مصر فقط بل العالم العربي كله .و هذا مثال من الف مثال يحيط بك يوميا أخي الكريم .
و اذا استفحلت الأفكار الميتة في أي مجتمع أصبح المجتمع ميتا . و الله المستعان . و المجدتمع الميت كلانسان الميت لا تنتضر منه أن يقوم و يحيا و يرتفي .
من نظرتى للمجتمع أجد نفسي متشائنا جدا . فنحن في العالم العربي قد أستفحلت فينا هذه الأفكار المميتة . و أصبحنا نتبعها حبا منا أو كراهية . و قد تخطينا هذه المرحلة الى مرحلة أشد فتكا أرجو أن يكون لها دواء و هي مرحلة الفكرة الوثن .و التي أعتذر عن ذكرها لتجنب ما لقيه من قالها أول الأمر و أترك لك الاختيار في ان تطالعها في كتابه هو . فهو مات منذ زمن و لن يقدروا على مقاضاته على خلافي أنا .
أخيرا أخي الكريم أرجو أنك وجدت الموضوع ذو أهمية . و ان كان العكس فأجو المعذرة لتضييع وقتك . فما أردته سوى انارة عقول و مشارك صور و خواطر تجول في ذهني .
و شكرا ...........
0 التعليقات: